-----------

  البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ملف العدد : قائد النفس البشرية

الباحث :  خاتم بن حسين
اسم المجلة :  مع الشباب
العدد :  2
السنة :  السنة الاولى - ربيع 2018 / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 28 / 2018
عدد زيارات البحث :  1905
بحكم معرفتنا بأنفسنا، فإن بإمكاننا أن نقول إن النفس الإنسانية تتحكم بها نوعان مِن القوى، قوًى داخلية وقوًى خارجية، وهي – أي النفس بعد تلقّيها تأثير تلك القوى – تتحكم بدورها بالإنسان، فتدفعه لفعل الخطأ أو الصواب، الجميل أو القبيح، الخير أو الشر، إلى غير ذلك مِن الأفعال التي تصنّف إيجابيةً وذات فائدةٍ لصاحبه وللمجتمع أو مضرةً به وبمجتمعه.
القوى الداخلية، إما ان تكون الدين، أو مجموعةً من الصفات التي نسمّيها عادةً بالفطرية والغريزية وهي صفاتٌ إنسانيةٌ يحملها البشر الأسوياء، أو كليهما، أي الدين والصفات الإنسانية، وهذه قوًى تحرّك النفس وتؤثّر عليها مِن الداخل.
القوى الخارجية قد تكون قوة القانون أو الأعراف أو التقاليد، سمّها ما شئت، المهم أنّنا متفقون حول المضمون، وهو أنّها قوةٌ لا تنبع من داخل الإنسان وإنما من خارجه، وأيضًا تتحكم بنفسه.
تتناوب القوة الداخلية والقوة الخارجية على ضبط سلوك الإنسان والتحكم به من خلال التأثير على نفسه، وحين تضعف سلطة قوةٍ ما تسد سلطة القوة الأخرى مكانها، فمثلًا، حين تنهار الدول وينهار معها القانون تجدنا نعوّل على نفوس الناس، وتجدنا أحيانًا نبالغ في مدح بعض الناس الذين يظلّون منظّمين في سلوكهم وتصرّفاتهم حتى حين يكون القانون منهارًا، نمتدح هذا الفعل لأنّه ناتجٌ عن قوةٍ داخليةٍ من عند الإنسان، ونحن نعلم أنّ نفس الإنسان أمّارةٌ بالخطأ، والإنسان في الغالب ذو نزعة شريرةٍ حين يكون حرًّا، كما هو مُسلَّمٌ مِن خلال استقراء ما في نفوسهم وأيضًا من خلال التجربة، فيندر أن تجد إنسانًا سنحت أمامه فرصة للخطأ والتمادي والحرية ولم يخطئ، غالبًا النفس ستخطئ إذا شعرت بأنّه ليس هناك حساب وقانون ومساءلة، حتى قيل «مَن أمن العقوبة أساء الأدب».
مع أنّنا لو تتبّعنا المسار التاريخي للبشرية، سنجد أنّ للدين سلطةً في كل القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في سلوك الإنسان، لأنّه كما يؤثر في النفس، يؤثّر أيضًا في القانون وفي الناس وفي الأعراف والتقاليد، وتجد له رائحةً وحضورًا في أغلبية القوى الداخلية والخارجية، إلا أنّنا لو تحدّثنا فقط عن تأثيره وسلطته على النفس، سنجد أنّ الدين له حصة الأسد مِن السيطرة على النفس وهو أقوى وأكثر مَن يتحكم بها ويقودها.
لنأخذ أمثلةً واقعيةً تؤكد ضرورية وجود سلطة على النفس داخليةً وهي الدين، المثال الأول سيكون عن الدور العام الذي يخصّ المجتمع ككل لهذه السلطة على النفس في لحظة انهيار أو ضعف القانون، والمثال الثاني سيكون عن الدور الخاص والتفصيلي – الذي يخص تفاصيل صغيرةً في تعاملات شخصية – لهذه السلطة على النفس في لحظة غياب القانون وابتعاد تأثيره عن بعض تفاصيل الحياة.
المثال الأول: الدور العام على النفس
يُعتبَر عالمنا العربي والإسلامي اليوم أحوج ما يكون إلى سلطةٍ داخليةٍ على النفس، لأنه يشهد انهيارًا للقوة الخارجية المؤثرة على نفس الإنسان العربي أو المسلم وهي قوة القانون، في ظل شبه انهيارٍ للدول والحكومات، وفي ظل فوضى جزئية وأخرى نسبية تسود الواقع العربي والاسلامي منذ احتلال العراق عام 2003، وتفاقمت أكثر بعد ما سمّي بالربيع العربي أوائل عام 2011. فحين ينهار القانون، لا تبقى مِن قوةٍ قادرة على ضبط سلوك النفس إلا قوة الدين مِن حيث القدرة على التأثير.
ومنطقيًا، حين يكون الدين هو الفاعل والمؤثر الأقوى والأكبر والأقدر على النفس، وخاصةً أنّه يستند إلى منهج – بمعزل عن التفاصيل – هو منهجٌ في خطوطه العامة يريد مصلحة الإنسان، لأنه (أي الدين) في تحليله وتحريمه، ومنعه وتشجعيه، وترغيبه وترهيبه، لا يخرج عن إطار القيم سواءً الإنسانية الفطرية المتأصّلة في نفس الإنسان، كنبذ القتل ونبذ أخذ حقوق الآخرين ونبذ التعدي عليهم والدعوة لمحبّتهم، أو القيم المتعارف عليها على أنّها قيم إنسانية، أقرّتها العادة أو التجربة أو المناهج الفكرية أو الأنساق الفلسفية، حين يكون لدينا مثل هذا القائد للنفس، الأَوْلى هو الحفاظ عليه وتدعيمه، لكي نحتفظ بقوة النفس الكبيرة في التأثير الذاتي من داخل الإنسان، ونفعّلها في الواقع، والتي بدورها ستضبط سلوك صاحبها في حال غياب القانون وانفراد الإنسان بالواقع.
المثال الثاني: الدور الخاص
هل يمكنك أن تدخل في شراكة عملٍ أو مشروعٍ مع شخصٍ لا يلتزم بقانونٍ أو منهجٍ في حياته؟ أي أنّه – مثلًا – لا يسرق المال الذي في جيبك ليس احترامًا للقانون ولا امتثالًا لدين أو خلق أو عرف، وإنما فقط لأنّه لا يستطيع ذلك، هل يمكنك أن تتعامل مع شخص بهذه المواصفات؟
إن لم يكن للإنسان سلطةٌ على نفسه تمنعه مِن أخذ مال غيره، حينها هل يمنعه القانون أو مثلًا عُرف الصداقة أو عقد الشراكة من ذلك؟
الجواب بالتأكيد لا، ففي لحظة انهيار القوة الخارجية تصبح نفسه بلا قائدٍ وحاكمٍ عليها، ولن يمنعه شيء حينها، ويُصبح مثل هذا الإنسان مِن الخطأ التعامل معه وهو على هذا الحال، إلا إذا كان القانون الذي يحكم بينكما قانونًا قويًا وفاعلًا بحيث يكون قادرًا على ضبط سلوكه وقطع الطريق عليه ومنعه مِن أخذ مالك ومنعه مِن سلبك حقك، وإلا ما دامت نفسه لا يمنعها شيء ولا تردعها سلطة دينٍ أو قيمٍ أو دوافع إنسانية، فإنّ هذا الشخص سينقلب إلى وحشٍ كاسرٍ في اللحظة التي يشعر فيها أن القانون ضعيفٌ وغير قادرٍ على منعه وضبط سلوكه. فهذه النفس، كما أسلفنا، لا توجد قوةٌ قادرةٌ على ردعها وقيادتها وضبط سلوكها كقوة الدين، سواء نظريًا لِما يمتلكه الدين من إمكاناتٍ كقوة ردعٍ ذات تأثير جذاب وملفت وقوي، ومنطق إقناعٍ متماسك، أو عمليًا مِن خلال التجربة وما نشاهده مِن تأثيرٍ لهذه السلطة على نفس الإنسان.
وعليه، نستطيع أن نقول إنّ قوة الدين هي الحصن والرادع لنفس الإنسان مِن الداخل، وحين تنهار هذه القوة فإنّ أولئك الذين لا يرتكبون الخطأ ظاهراً، في الغالب سيكون سبب انضباطهم هو قوة القانون وخوفهم مِن الحساب والعقاب والمساءلة، وليس قناعتهم بأنّ الخطأ خطأ لا يجب عليهم فعله.